ذكر أهل العلم آداباً ينبغي أن يراعيها من يشتغل بهذا العلم الشريف، وهذه الآداب منها ما يتعلق بالمُحَدِّث.
وقد سبقت الإشارة إلى شيء منها في مقال مستقل، ومنها ما يتعلق بالطالب، فطالب الحديث يشترك مع المُحَدِّث فيما ينبغي أن يتحلى به من تصحيح النية والإخلاص لله تعالى في طلب الحديث.
والحذر من أن تكون الغاية من طلبه التوصل إلى أغراض الدنيا فقد روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله عز وجل، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة - يعني ريحها - ) ، وقال حماد بن سلمة: " من طلب الحديث لغير الله مُكر به ".
ويختص الطالب بجملة من الآداب منها: أنه ينبغي له إذا عزم على سماع الحديث، أن يقدم السؤال لله تعالى بأن يوفقه ويسدده وييسر له ما عزم عليه من ضبط الحديث وفهمه، ثم يفرغ نفسه لهذا الشرف.
ويبذل غاية جهده ووسعه في تحصيله، فإن العلم لا ينال براحة الجسد، وقد قال الشافعي رحمه الله: " لا يطلب هذا العلم من يطلبه بالتملل وغنى النفس فيفلح، ولكن من طلبه بذلة النفس، وضيق العيش وخدمة العلم أفلح ".
وينبغي له أن يتخلق بالأخلاق الفاضلة والآداب الحسنة التي تليق بطالب حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أبو عاصم النبيل: " من طلب هذا الحديث فقد طلب أعلى أمور الدين، فيجب أن يكون خير الناس ".
ثم يبادر إلى السماع بعد ذلك، من غير توقف ولا تأخير، فيبدأ بأرجح شيوخ بلده إسناداً وعلماً وشهرة وديناً.
فإذا فرغ من مُهِمَّاتِهِم ارتحل إلى البلاد الأخرى، للقاء الشيوخ والرواة، والاستفادة من مذاكرتهم ومجالستهم، كعادة الحفاظ المبرزين، وقد رحل جابر بن عبد الله رضي الله عنه إلى عبد الله بن أُنيس شهراً كاملاً في طلب حديث واحد.
وينبغي لطالب الحديث أن يعمل بما سمعه من أحاديث، فإن ذلك زكاة ما جمع من الحديث، وهو من أعظم أسباب حفظه وعدم نسيانه، قال بشر الحافي: " يا أصحاب الحديث أدوا زكاة الحديث، اعملوا من كل مائتي حديث بخمسة أحاديث "، وقال وكيع: " إذا أردت أن تحفظ الحديث فاعمل به ".
ومن أدب الطالب أن يعظم شيخه ومن يسمع منه، فذلك من إجلال العلم، ومن أسباب الانتفاع بالشيخ، فيتحرى رضاه ويحذر من سخطه، ولا يطول عليه بحيث يضجره، بل يقنع بما يحدثه به، ويستشيره في أموره التي تعرض له، وما هو العلم الذي يشتغل به وكيفية ذلك، وعليه أن يصبر على جفوة شيخه إن بدر منه شيء من ذلك، قال الأصمعي: من لم يتحمل ذل العلم ساعة بقي في ذل الجهل أبدا.
وينبغي له أن يعتني بالأهم قبل المهم، وأن يراعي التدرج في ذلك، فإن من طلب العلم جملة فاته جمله، وألا يضيع وقته في الاستكثار من الشيوخ لمجرد اسم الكثرة وصيتها.
وعليه أن يرشد إخوانه وزملاءه في الطلب إلى ما ظفر به من فوائد ولا يكتمها عنهم، فإن كتمان الفائدة عن الإخوان لؤم يحرم المرء من الانتفاع بالعلم، ومن بركة الحديث والعلم إفادته ونشره، قال ابن المبارك رحمه الله: من بخل بالعلم ابتلي بثلاث: " إما أن يموت فيذهب علمه، أو ينسى، أو يتبع السلطان ".
وليحذر كل الحذر من أن يمنعه الحياء أو الكبر من السعي في السماع والتحصيل وأخذ العلم ولو ممن هو دونه في السّن أو المنزلة، فقد قال مجاهد رحمه الله: " لا ينال العلم مستحي ولا مستكبر "، وقال وكيع: " لا ينبل الرجل من أصحاب الحديث حتى يكتب عمن هو فوقه وعمن هو مثله وعمن هو دونه ".
وينبغي أن يذاكر محفوظاته على الدوام، ويباحث بها أهل المعرفة، وبذلك يحفظ العلم من النسيان، يقول علي رضي الله عنه: " تذاكروا هذا الحديث، إنْ لا تفعلوا يدْرُس " أي يذهب ويضيع، وقال ابن مسعود: " تذاكروا الحديث فان حياته مذاكرة ".
ولا ينبغي للطالب أن يقتصر على سماع الحديث وكتابته من غير تفهم له، ومعرفة بصحته من ضعفه، ومعرفة بمعانيه ولغته وإعرابه وأسماء رجاله، فإن ذلك من آكد الأمور وأولاها.
هذه هي أهم الآداب التي يذكرها أهل العلم في هذا الباب، ومعظمها آداب لا تختص بطالب الحديث وحده بل تعم كل دارس لأي فن أو علم، وبالجملة فالواجب كما قال الخطيب البغدادي رحمه الله:
"أن يكون طلبة الحديث أكمل الناس أدباً، وأشد الخَلْق تواضعاً، وأعظمهم نزاهة وتديناً، وأقلهم طيشاً وغضباً، لدوام قرع أسماعهم بالأخبار المشتملة على محاسن أخلاق الرسول - صلى الله عليه وسلم - وآدابه، وسيرة السلف الأخيار من أهل بيته وأصحابه، وطرائق المحدثين، ومآثر الماضين، فيأخذوا بأجملها وأحسنها، ويصدفوا عن أرذلها وأدونها ".
المصدر: موقع إسلام ويب